التوجهات التركية الحديثة، تستحق أن يطلق عليها لقب (الأردوغانية) فالعنوان الرئيس للتحولات الاستراتيجية الجارية في تركيا حالياً، هو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وتبعاً لجذرية التحولات الجارية في السياسة التركية، من الممكن اعتبار أن تركيا تسعى للخروج من المرحلة الأتاتوركية، عبر دخولها مرحلة الأردوغانية.
كتب الكثير عن الدوافع التي قادت إلى هذا التحوّل التركي الجديد، كما أنه من الواضح أن الطموحات الأردوغانية الحالية كبيرة وواسعة، و تهدف للدخول بتركيا للعالمية، وليس الاقليم فقط، ومن الواضح أيضاً أن تركيا بما تملكه من إرث إمبراطوري، إكتشفت أنها لا يمكن أن تستمر في لعب دور الذيل للسياسة الغربية، وأيقنت أن دخولها للإتحاد الأوروبي أصبح مستحيلاً، ولذلك فهي تسعى لتوظيف الكثير من العوامل في سياستها الحالية، لتلعب دوراً عالمياً في صنع السياسة، بدلاً من أن تكون جسراً تعبر فوقه السياسات - كما قال وزير خارجيتها الحالي - فهي تريد الانتقال من لعب دور الوكيل، لتصبح صانع سياسات أصيل.
وتركيا تعمل حالياً باقتدار للتواصل وتفعيل دور الأعراق التركية، في القوقاز و جورجيا وأوكرانيا وروسيا والصين، وآسيا الوسطى و مسلمي دول البلقان جمعاء، والجاليات التركية في دول أوروبا الغربية، وخاصة في فرنسا وألمانيا، إضافة لسعيها للعب دور في حل المشكلة المستعصية ورفع الظلم الواقع من الصين على المسلمين الايغور في تركستان الشرقية، كما أنها تسعى لتجنيد الرأي العام العربي عبر البوابة الفلسطينية، وعبر تفكيك الخلافات والآثار السلبية المتوارثة من نهايات الحقبة العثمانية في المنطقة العربية، و التي تميّزت بالظلم والاقصاء والعنصرية الطورانية، وما تلاها من تحالف بين النخب الحاكمة في تركيا مع الحركة الصهيونية، والتي كانت موجهة لضرب العمق الاستراتيجي العربي.
لتركيا طموحات كبيرة للعودة بقوة للخارطة السياسية والاستراتيجية في العالم أجمع، وصرح بذلك علانية وزير خارجيتها، حيث اعتبر أن أساس التحركات الجديدة للدبلوماسية التركية، تقوم على الإرث العثماني القديم، وفي نفس الوقت على أسس إقتصادية ومصلحية متينة مع الأطراف المستهدفة، إضافة إلى الانتقام من ومناكفة فرنسا ساركوزي، التي تقف على رأس المعارضين لدخول تركيا للإتحاد الأوروبي، حيث قال أوغلو صراحة، أن تركيا ستنافس وستدخل في المجال الحيوي الفرنسي في القارة السمراء، وأنه أعطى تعليمات بإنشاء سفارات لبلاده في أفضل الأماكن في العواصم الافريقية، حتى يصحو ساركوزي كل يوم ويرى علم تركيا يخفق أمامه في عاصمة جديدة، كما قامت تركيا بعقد مؤتمرات تعاونية إقتصادية مع الأفارقة في استنبول، وتعمل الشركات التركية في الكثير من الدول الافريقية في العديد من المجالات.
يظهر مما سبق أن الطموحات التركية لها أبعاد عالمية، ولكن من الواضح أيضاً أن الطموحات العالمية تمر قصراً في المنطقة العربية، وفي المحطة الفلسطينية تحديداً، ولذلك اجتمعت العديد من العوامل، والتي أهمها تراجع الأهمية الاسرائيلية في السياسة التركية ( وزير الدفاع التركي قال في لقائه مع إيهود باراك قبل أيام: - ان العلاقات مع إسرائيل إستراتيجية، ما دامت المصلحة منها موجودة) ومن الواضح حالياً، أن الاستثمار في العلاقات التركية - العربية في المنطقة لا تعبر إلا عبر الباب الفلسطيني، والمصلحة في الاستثمار العربي - التركي تفوق المصلحة التي من الممكن أن تجلبها العلاقة مع الدولة العبرية، ولذلك كلما تعززت الشراكة العربية - التركية بشكل أوسع، إنحسرت العلاقات التركية - الاسرائيلية بشكل أسرع.
فالعلاقات الاستراتيجية بين الدولة العبرية وتركيا لم تمنح تركيا فرصة الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولم ترفع عن رقبتها سيف اللوبي الأرمني في واشنطن، بل لم تجلب لها سوى العزلة عن محيطها العربي والاسلامي، وبعض المنافع الاقتصادية التي من الممكن الاستعاضة عنها بمنافع تفوقها بمئات الأضعاف من خلال العلاقة مع العرب والمسلمين أنظمة وشعوب.
هذه الاستراتيجية الأردوغانية، لاقت قبولاً داخلياً من كافة الأطياف السياسية التركية، لأنها تحقق المصلحة والعزّة الوطنية، التي فقدها الأتراك خلال سنوات الانتظار المذل على أبواب الاتحاد الأوروبي، وحققت هذه السياسة إنجازات إقتصادية بدأ يتلمس آثارها المواطن البسيط قبل التاجر ورجل الاعلام والسياسي في تركيا الأردوغانية، وهذا ما يفسر إنقسام المعارضة هناك بين صامت أو مؤيد للخطوات الأردوغانية.
عودة العثمانيين الجدد أو الأردوغانيين لساحة التأثير والفعل السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في المنطقة العربية، أحيا الآمال في نفوس شعوب المنطقة بأن عصراً جديداً من العزة والفخار بدأت تبزغ أنواره، وأنّ هناك من يقود شعوب هذه المنطقة نحو عصر من التقارب والتواصل، عبر إلغاء التأشيرات و حرية الحراك الاقتصادي و البيني الواسع، وعبر مد خطوط المواصلات وتعزيز التعاون الداخلي وتنقل الأموال، وفوق ذلك كله من يقف ويقول لا للقوى الغربية والدولة العبرية وحلفائها، وهو ما لم تألفه شعوب المنطقة منذ عقود.
من الواضح أن هذه الاندفاعة التركية، توازيها اندفاعة شعبية عربية، وأخرى إسلامية تجاه الأردوغانية والأردوغانيين، ويفسر ذلك حالة اليأس الشديد من وجود مشروع عربي أو إسلامي مستقل يقود الدول والشعوب العربية والاسلامية، إضافة إلى وجود ( قصعة) العالم العربي وسط مشاريع لقوى إقليمية ودولية عديدة، ويتراوح التعامل العربي معها ما بين الخوف والتردد، والتحالف والقلق، والمهادنة والمقاومة، أما الاندفاعة التركية في الفراغ العربي، فقد اعتبرت الأكثر قبولاً شعبياً، وربما رسمياً لبعض العرب.
إذاً الآمال المعقودة على الاندفاعة الأردوغانية - عربياً وإسلامياً - كبيرة جداً، ومن الواضح كذلك أن تركيا الأردوغانية تسعى وترحب بهذا الدور، ووقفت عدداً من المواقف التي أثارت إعجاب العرب والمسلمين، في قضايا تخصّهم، مثل إجبار راسموسين الدنماركي على الاعتذار للمسلمين، بسبب مواقفه من الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك المواقف المعلنة من الدبلوماسية التركية من جرائم الاحتلال في قطاع غزة، وإجبار الدولة العبرية على الاعتذار لتركيا، ورعاية المؤتمرات و قوافل المساعدات الخيرية المتضامنة مع المحاصرين في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك كله، قدرة الأردوغانيين على تقديم نموذج للتعايش بين كافة الأعراق والأديان والتيارات السياسية والشعبية، وهذا نموذج مفقود في العالمين العربي والاسلامي.
للأردوغانيين طموحات، وللشعوب العربية والاسلامية آمال وتمنّيات، ولكن هناك من له تخوّفات أيضاً من هذه الاندفاعة الأردوغانية، ويفضّل التعامل معها بحذر، وعدم استثمار كافة الأوراق فيها، فهناك من يرى أنّ هذه الاندفاعة هي اندفاعة وظيفية للأتراك لتعبئة الفراغ في المنطقة، وقطعاً للطريق على الايرانيين، ويدللون على ذلك بالصمت الغربي والعربي الرسمي على هذا التمدد، والتعامل والتعاون معه بلا حساسيات، كتلك التي يتعاملون بها مع الطموحات الايرانية.
على الصعيد الاوروبي تعتبر الاندفاعة التركية نحو محيطها القديم مرحب بها، مع أن لها آثاراً جانبية، كالسياسات الحالية المناوئة للدولة العبرية، فهي تقلّص الاندفاع التركي لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وتعيد تركيا شرقية كما كانت، أما على صعيد العلاقة المتوترة مع الدولة العبرية، فبالرغم من توترها، إلا أنها لم تنقطع، وليس سهلاً على الساسة الأتراك فك روابط دولتهم مع الدولة العبرية في الوقت الحالي، لاعتبارات داخلية، وأخرى خارجية، كما أن الدول الغربية والولايات المتحدة وبعض الدول العربية، وخاصة الخليجية، ترحب بهذه الاندفاعة لخلق توازن مع النفوذ الايراني في المنطقة، إضافة إلى أن تركيا لا زالت عضواً في حلف الأطلسي، وتشكل القوة الثانية فيه بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
أما إيران، فمن الواضح أنها تراقب تحركات الأردوغانيين بحذر، وبالرغم من كون الأردوغانيين يسعون للتقارب مع إيران في عدة مجالات - بسياستهم الحالية المجافية للدولة العبرية، والمناصرة دبلوماسياً و إعلامياً وخيرياً للمحاصرين في غزة وإعلانهم حق ايران ببرنامج نووي سلمي، ورفضهم شن الحرب عليها- إلا أن طموحاتهم تتعارض نسبياً مع الطموحات الايرانية في المنطقة، فهي تنافسهم في ساحات يسعون لملئها وأخرى احتكروها لسنوات، ولكن من الواضح أنّ الايرانيين مرتاحون نسبياً من وجود الأردوغانيين على رأس هرم السلطة في تركيا، فوجودهم أفضل من وجود من سبقهم، كما أنّ المصلحة الايرانية تقتضي التقارب مع الحالة الأردوغانية لا مخاصمتها ومعاداتها، مضافاً إلى ذلك، أن الايرانيين بحاجة لدراسة والاستفادة من التجربة الأردوغانية، لاستخلاص العبر،و الوصول لحلول للخروج من معضلة الفتنة الداخلية، التي لا زالوا يعانون منها منذ الانتخابات وحتى اليوم.
أما في الملف السوري، فمن الواضح أن العلاقات السورية - الايرانية لا يمكن أن تتأثر سلباً من التقارب السوري - التركي، ولكن تعزيز العلاقات بين تركيا وسوريا على الطريقة التي تجري الآن، سيعزز دور تركيا في الحسابات الاستراتيجية للنظام السوري، وسيجعل تركيا عمقاً إستراتيجياً لسوريا، بعد أن كانت تطعن في ظهرها منها، ومن الواضح أن أكبر الرابحين في المعادلة السياسية والاستراتيجية الحالية، هم السوريون، فهم يقطفون ثمار الطموحات الايرانية، والاندفاعة الأردوغانية، والاهتمام الأوروبي، ولا أعتقد أن التقارب التركي - السوري سيبعد سوريا عن إيران، فالتحالف مع إيران تعدى كل الامتحانات العصيبة السابقة، وهو يعتبر الثابت الذي لا يتغير في السياسة السورية، فإيران تعطي السوريين ما لا يستطيعه الأتراك حتى الآن.
أما الدولة العبرية، فلها تخوّفات كبيرة، وتتعزز يومياً من الطموحات الأردوغانية، وبالرغم من كون المصالح التركية - العربية بات تعزيزها يزيد الجفاء بين الدولتين، إلا أن مشاريع الدولتين في المنطقة هي الدافع الرئيس للتصادم بين مصالحهما، فتركيا تسعى لتكون اللاعب الرئيس في الاقليم، ولاعباً رئيساً في السياسات العالمية كخطوة تالية، مدفوعة بإرث عثماني و موقع إستراتيجي وقوة ديموغرافية شابة، ونمو اقتصادي كبير، وديمقراطية ناشئة، ونهضة إعلامية كبيرة تخاطب العالم بلغاته المتعددة، وفيما تركيا تعتبر أنها عادت لتتبوّأ مكانتها الطبيعية في المنطقة، فهي تعتبر أن الدولة العبرية المصطنعة تزاحمها على منطقة من الطبيعي أن تكون مجالاً حيوياً لها، ولذلك سيزداد الجفاء بين الطرفين في الأيام القادمة، ولكنه لن يصل لدرجة القطيعة الكاملة، لأسباب عديدة.
أما روسيا العائدة بقوة لساحة السياسة الدولية، فهي ترقب بحذر وصمت الحراك السياسي والدبلوماسي والعرقي والاقتصادي في القوقاز وروسيا واوكرانيا وآسيا الوسطى، فانهيار الاتحاد السوفياتي بقيادة روسيا، فتح الباب أمام تركيا للتمدد في تلك المناطق، التي أصبحت ساحةً للتنافس بين الصين وإيران وتركيا وروسيا حديثاً، ولكن هذا التنافس الحالي على مناطق النفوذ عبر التواصل العرقي والديني والاقتصادي، يوازيه تعاون في العديد من القضايا بين البلدين في مجالات الطاقة النووية وإمدادت النفط والغاز والتجارة والتنسيق الاستراتيجي وغيره بين دولتين لهما إرث إمبراطوري قديم، واللتان ترغبان بالعودة بقوة لساحة الفعل السياسي الدولي.
أما النظام المصري، فهو يتعامل بحذر شديد مع الحالة الأردوغانية، بل يتعامل معها بجفاء وصدود ظاهر للعيان، مع أنه يحرص في المرحلة الحالية على عدم إظهار ذلك، فما تسعى لتنفيذه حكومة أردوغان من سياسات اقتصادية وإلغاء التأشيرات وحرية التجارة وغيرها، ما هو إلا تطبيق لأفكار نجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا الأسبق، وفي حينه عمل النظام المصري على عرقلة هذه التجربة الفريدة لجمع الاقتصاديات الاسلامية الكبرى معاً، وتحرير التجارة فيما بينها.
كما أن الحكومة المصرية تنظر للأردوغانيين كأولاد شرعيين لأربكان، وبالتالي لا يعجبها النجاحات التي يحققونها على كافة المستويات، وخاصة القبول الكبير لهم في العالم العربي، ففي الوقت الذي يحظون به باحترام وتقدير من الشعوب العربية، وتفتح لهم أبواب الدول العربية وقلوب شعوبها على مصراعيها، يبقي النظام المصري أبوابه موصدةً في وجوههم، وهو بالتالي يزيد عزلته في العالم العربي، وبينما يقف الأردوغانيون مواقف مناوئة للدولة العبرية بخصوص الجرائم التي ترتكبها بحق قطاع غزة، تقف القاهرة في الصف المقابل، وتعمّق تحالفها الاستراتيجي مع الدولة العبرية، بل نقلت هذا التحالف من مرحلة السرية إلى العلنية، بل زاد على ذلك أحد إستراتيجيي النظام في مصر ( مصطفى الفقي)، بأن قال:-
( أن أي حاكم لمصر يجب أن يحظى بموافقة أمريكا ورضى إسرائيل)
وبهذا انتقلت العلاقة بين الدولة العبرية والنظام المصري، من الاستراتيجية إلى الطبيعية و العضوية، وهذا تفسره الكثير من السياسات على الأرض والتي كانت تستعصي على الفهم سابقاً - أي قبل تصريحات مصطفى الفقي - فقد ظهرت بعدها حقيقة أن أمريكا وإسرائيل تتعاملان مع مصر كولاية خاضعة لهما، يختاران من يحكمها، والسياسات التي يجب أن يتّبعها هذا الوالي، وأن هذه الارادة الأمريكية - الاسرائيلية، مسلّم بها من أقطاب النظام المصري.
الصدود والحذر والتوجّس من الحالة الأردوغانية من قبل النظام المصري ستزداد، وربما ستصل إلى القطيعة الكاملة، وهذا يتوقف على مدى الجرأة التي سيتعاطى بها الأردوغانيون مع الحصار على غزة، وهل سيقدمون على كسر الحصار الاسرائيلي- المصري على القطاع عبر البحر بواسطة أسطول من السفن، وهذا الفعل سيكون المعيار في وصول القطيعة إلى ذروتها، وفي نفس الوقت، سيكون هذا هو المؤشر على صدق التوجهات الأردوغانية تجاه القضية الانسانية المتفاقمة في القطاع المحاصر، خاصة بعد اكتمال إغلاق أنفاق الحياة في رفح.
فكسر الحصار عن القطاع هو عملياً إحراق لأوراق الابتزاز المصرية - الاسرائيلية للمحاصرين هناك، وبالتالي فقدان النظام المصري آخر سهامه في محاولاته المستميتة لإخضاع المقاومة الفلسطينية، عبر ابتزازها بلقمة عيش شعبها.
فلسطينياً، هناك من يتعاطف بقوة مع الحالة الأردوغانية، فقد يكون هذا نابعاً من الجذور الاسلامية لحزب العدالة، وقد يكون حنيناً للخلافة العثمانية، وقد يكون تعطشاً لكرامة ونصرة مفقودة من أولي القربى- حتى ولو كانت كلاماً أو عملاً إغاثياً- وقد يكون اندفاعاً نحو أخ من أهل السنة والجماعة يتعاطف مع قضية إنسانية محقة، طال غيابه عن قضايا أمته، وقد يكون دفعاً لتهمة التشيّع التي لازمت المقاومة الفلسطينية التي لاقت الصدود من محيطها العربي والاسلامي، ما عدا إيران الشيعية، وقد يكون كل ذلك.
ولكن هناك من يقول أن تركيا الأردوغانية تقوم بتدريب قوات الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تحارب المقاومة الفلسطينية هناك، وأنها تستقبل الكثير من البعثات الأمنية من هذه الأجهزة، وتقيم العديد من الدورات المتخصصة لضبّاطها وعناصرها، بل تساعد في تجهيزهم بالعتاد اللازم، كما يحتجّون بان تركيا تعترف بالحكومة المعيّنة من قبل الرئيس الفلسطيني، ولا تعترف بالحكومة التي تحظى بثقة الأغلبية النيابية، وبالتالي يرون أن التعامل التركي دعائي منافق و يسير على قاعدة (قلوبنا مع حماس، وسيوفنا مع عباس).
ولذلك هناك من يرى أن الاستثمار العربي والاسلامي والفلسطيني في الحالة الأردوغانية مهم، ومهم للغاية، حتى يتم استعادة تركيا لموقعها الطبيعي في العالم الاسلامي، ولكن في نفس الوقت، يجب عدم وضع كل البيض في سلة الأردوغانية، فالأردوغانية لا زالت محاطة بأعداء كثر في داخل تركيا، يسعون للقضاء عليها بكافّة الوسائل، إضافةً إلى أن تجربتهم لم تنضج بعد حتى يمكن تقييمها وتحديد أصول التعامل معها بشكل جيّد، كما أنه من غير المعلوم المدى المسموح للأردوغانية بالوصول له في اندفاعتها الحالية، وهل ستمنح الفرصة لتحقيق طموحاتها، و الآمال المرتجاة منها، وتبديد التّخوّفات التي تحيط بها؟ مضاف إلى ذلك أنّ العرب مطالبون بالنهوض بمشروع جامع، و عدم الجنوح دائماً للخنوع والبقاء متلقين لمشاريع الآخرين، بل هم مطالبون بالنهوض بمشروع تكاملي بينهم، ويمتد إلى المحيط الاسلامي، أما المقاومة الفلسطينية، فهي مطالبة بإدراك الأهمية الكبيرة للإستثمار في الحالة الأردوغانية، ولكن حليفها الاستراتيجي هو من يدعمها بكل شيء، ويقف إلى جانبها في كل الملمّات، بالمال والسلاح والسياسة، وهذه بالتحديد لا تستطيعها حالياً الأردوغانية، وقد تكون لا تريدها، ويعتبر المحك الرئيس لصدق خطاب الأردوغانية في مدى تعاملها الفعلي مع الحصار على القطاع الغزّي- كما أسلفت - هو كسر الحصار البحري عبر أسطول من السّفن، وهذا بمقدورهم فعله مع مجموعة كبيرة من البرلمانيين والرؤساء، عرب وغير عرب من العالم أجمع، فهل تفعلها الأردوغانية؟.